الجمعة، 21 مارس 2014

الذات الفردية × الذات المتكاملة


يتساءل ستيفن هاريسون في كتابه " الطفل السعيد"

ماذا لو استبدل ديكارت التركيز على الذات الفردية .. بالتركيز على الذات المتكاملة ..

بمعنى .. لم يعزز وجوده في الحياة ب " الفردية" عندما قال ( أنا أفكر إذا أنا موجود ) . بل عزز وجوده بالذات المتكاملة ، الذات المرتبطة مع الآخر المتكاملة معه .. فمثلا قال : ( أنا أحب إذا أنا موجود )

لقد كان التركيز في السابق منصبّا على الذات الفردية فالذكاء .. هو الذكاء الفردي فقط ( IQ) وهو ما يقيس قدرة الفرد التي لا علاقة لها تماما بأي شيء آخر.. خارج دائرته الفردية .

حتى أدرك الباحثون أهمية التركيز على الذات المرتبطة بالآخر ، المتعايشة معه ، فأصبحنا نسمع أن الذكاء أصبح يقيم على أساس علاقته بالآخرين أيضا وقدرته على التعايش معهم و حل المشكلات التي تكون بينه و بينهم ، فأصبحنا نسمع .. بالذكاء العاطفي أو الذكاء الاجتماعي .

نحن لا نعيش في بيئات معزولة ، ماذا يعني أن نصبح أذكياء بذواتنا منعزلين عن الآخرين؟

نحن أذكياء معهم ..

فكر مثلا أتحب أن يكون لك ابن / ابنة ذكي جدا لكنه لا يتفاعل مع من حوله لا يعرف كيف يكون صداقات ناجحة ، أو عادي الذكاء و مبدع في التواصل مع المحيطين به؟

لقد اختلف مفهوم التميز و النجاح من الفردية .. الى التكامل مع الآخر ، حتى في الإدارة مثلا صرنا نسمع بمفاهيم مثل (البديل الثالث) التي طرحها ستيفن كوفي في كتاب يحمل ذات العنوان ..

كل تلك المفاهيم تركز على أنه عندما ينجح نصف المجتمع .. هذا لا يعني بالضرورة انه على النصف الآخر من المجتمع أن يكون خاسرا أو فاشلا..

ترتكز الفردية على اساس التنافس المبني على الذات و الذات فقط ، أما التكامل فهو أن أنجح أنا و تنجح أنت معي فلا شيء يمنع ذلك هناك دائما بديل ثالث عن (ناجح ) و (فاشل)

هل هذا يعني أن ننسف ( التنافس ) بصورته القائمة القاتمة الموجودة في مدارسنا و جامعاتنا و مراكزنا الاجتماعية و مراكز تحفيظ القرآن حتى ؟
نعم .. نعم انه يعني هذا بالضبط ..

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(إياكم و الظن فإن الظن أكذب الحديث ، ولاتجسسوا و لا تنافسوا و لا تحاسدوا و لا تباغضوا ولا تدابروا و كونوا عباد الله إخوانا)

فالتنافس مذموم إذا ! و مقترن في الحديث الشريف بالبغض و الحسد و التدابر و سوء الظن أيضا

لقد كتبت هذا الكلام بعد قراءة التساؤلات التي طرحها ستيفن هاريسون قبل 3 شهور تقريبا .. و السبت الماضي في دورة قيّمة عزز رأي دكتور مصطفى أبو السعد توجه ستيفن هاريسون الذي أصبح توجهي أيضا ..

طبعا من يتجرأ اليوم و ينادي بنسف فكرة الاختبارات و طريقة التقييم السائدة التي تعطي لكل طالب رقما يحدد نجاحه فالأول على الصف خيرٌ من الثاني و الثاني خيرٌ من الثالث و هكذا .. ان من ينادي بنسف مثل هذه الأعراف سيبدو حتما مارقًا و خارجًا عن المألوف ..

من منا لا يعرف أن الاختبارات في المدارس تقيس قدرتنا على أن نكون ببغاوات .. من منا لا يستطيع الاستعانة بالعم قوقل و ينجز ورقة الامتحان في دقائق بدلا من ساعات لمحاولة تذكر معلومات .. قد لا يحتاج إلى حفظها أصلا!

إن ما نحتاج إليه حقا .. بناء قدرة على توظيف ما يعرفه الطالب أصلا و ما يتقنه من مهارات .. والبناء على هذا الأساس.

لقد أعجبني التشبيه الذي أطلقه ستيفن هاريسون على مؤسساتنا التعليمية - علما أنه كان يقصد الأميريكية منها- :

مغزل صديء يدور حول نفسه ..

 لقد سببوا الدوار لأبناءنا و بناتنا .. و نحن اليوم بحاجة الى من يقود ثورة في التعليم تنسف ما قد يعتبره البعض مقدّسا .. في سبيل التغيير.

و دمتم في رعاية المولى و حفظه