الأحد، 10 مايو 2015

خطة استراتيجية قرآنية في ٤ آيات



                   نعم نؤمن جميعا أن القرآن الكريم كتاب شامل و محيط و فيه تفصيل كل شيء، نؤمن بأنه الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، فهل نؤمن أن القرآن الكريم يتضمن خطة استراتيجية واضحة المعالم ومفصلة لمهمة الانسان على كوكب الأرض؟
        نعم هذا موجود في كتاب الله .. إن كنا لم نره سابقا فهذا لأننا لم نقرأه كما ينبغى، أو ربما لم نحرص على فهم مقاصد السور و ما سمحنا للآيات بأن تغمر أرواحنا تماما فنتشربها من كل فتحات مساماتنا، ولازلت أستغرب كيف لم نرها في كل تلك المرات التي ختمنا فيها القرآن ، هل كنا نقرأه و نحن نحصي كم بقي من صفحات لننتهي؟ كيف كنا نقرأه اللهم اغفر لنا !
 كيف ذكرت الخطة ؟ و أين تحديدا؟

        فصل المفكر المبدع د.أحمد خيري العمري في هذا الموضوع في كتابه (سيرة خليفة قادم) و هو حقا من الكتب التي يجب أن نقرأها أكثر من مره فهو عميق و يغوص في أعماق المهمة و كيفية انجازها.

 سيبهرك العمري بمرونته في توظيف اللغة لإيصال المعنى ، لقد رأيت في هذا الكتاب أن اللغة حقًّا أداة الفكر؛ و بالفعل يستحق هذا الكتاب – كما ذكر المؤلف في المقدمة و كنت اعتقد حين قرأتها اول مرة انه يبالغ- بالفعل يستحق أن يكون جزءا منا من سيرتنا الذاتية !
       
                 مالكم كيف تحكمون! بالفعل مالنا كيف نحكم على الأشياء؟ نأخذ العلوم من غيرنا ندرسها نتقنها ثم نجدها في كتاب الله ما هو أروع تفصيلا و أقوم قيلا، ندرس التخطيط بكل مذاهبه و نقرأ لمن كتب فيه .. تبهرنا نظرياتهم .. و عندما نعود لكتاب الله نجدها مفصلة هنا و الأعظم من ذلك أنها واضحة و مركزة في كلمات تسهل حفظها ، لتعيش بنا و نعيش بها حياتنا في سبيل انجاز المهمة، و قد قيل : "كفى بقومٍ جهالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم الى ما جاء به غيره إلى غيرهم".
        يذكر العمري في كتابه .. أن السورة (الذاريات) التي وردت فيها المهمة (و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون) قد وردت فيها و في مقدمتها تحديدا الخطوط العامة للخطة الاستراتيجية ..

(و الذاريات ذروا. فالحاملات وقرا. فالجاريات يسرا. فالمقسمات أمرا)

هذه المقدمة تحمل الأدوار أو الأطوار كما سماها الدكتور العمري و أظنها أيضا ممكن أن تكون المجالات أو LOB'S   الخاصة بالخطة الاستراتيجية الشاملة لمهمة الانسان على هذه الأرض.

المجال الأول : الذاريات ذروا (النشر او النثر)

أن تنشر فكرتك كما الرياح التي تذر التراب و البذور، الفكر في كل المجتمع الفكر المبني على العلم تنشره ليكمن في البشر في الجيل القادم كما تكمن البذرة.. في مرحلة أولى أو في خط أول من الأعمال التي تتطلب العلم و الفهم ، فلا مرحلة قبل العلم و الفهم أولم تكن (إقرأ) أول الوحي !
 ومن ثم نشره كالرياح تنشره في كل مكان ليكمن في نفوس الجيل كل الجيل .. و هذا مجال المفكرين .. هم من يجب أن يقود هذه المرحلة من المهمة الكبرى التي وجد من أجلها الانسان..  

المجال الثاني: الحاملات وقرا (الغيوم التي تحمل النماء لتروي تلك البذور)

وان كانت اختصرت بالغيوم و السحاب لكنها ايضا تتضمن كل ما يساهم في انماء البذرة و تنشئتها كما يقول العمري .
 فإن كانت المرحلة السابقة هي مرحلة الفكرة المجردة الكامنة في النفوس فهذه مرحلة تتضمن الانطلاق والنمو و التحول الى نواة مشروع .. حاملات الوقر هي مرحلة تمكين الفكرة وتحويلها الى مؤسسة و وهذا التحول من مجرد فكرة الى عمل منظم يتطلب قائد .. فالشخصية القيادية التي تدعم الفكرة و تحميها و تنميها بتحريك الناس نحو الهدف هم رجال هذه المرحلة.. لاحظ هنا أن المراحل لا تُختصر في القائد.. فالمفكر كان قبله و هناك من سيأتي بعده لكل مرحلة رجالها و لكل مجال رجاله.

اعتقد شخصيا اننا يمكن ان نطلق على المراحل (مجالات) لأن المراحل كلها ستتكرر بشكل متزامن ففي ذات الوقت قد تكون فكرة ما في المرحلة الأولى بينما تكون فكرة اخرى في مرحلة مختلفة .. لن ننتظر ان تنتهي كل الافكار من مرحلة الذاريات لتنتقل الى مرحلة حاملات الوقر.

المجال الثالث : فالجاريات يسرا (مرحلة التنفيذ)

فالتفسير السائد يخبرنا أنها السفن التي تجري بيسر في البحر ، اربط بين الجريان و اليسر فينتج لديك ( مرحلة التنفيذ)
يقول العمري: "قد يكون المنفذ غير مدرك لكل تفاصيل المشروع لكنه يحمل عبء المشروع على اكتافه و ينقله بعرقه و جهده ، ربما بلا تصعيد لفظي من حيز الخيال و النظرية الى واقع التطبيق العملي و هو الجزء الأهم من أي مشروع لأنه يحوله من المشروع الى الإنجاز."

  المجال الرابع: المقسمات أمرا (التقسيم و التوزيع والتكامل بين الادوار)

التخطيط و التقسيم و التوزيع للأدوار و التعريف بالمراحل بدايتها و نهايتها ، لا يفترض أن يكون الجميع مفكرين كما يقول العمري و لا كلهم قادة و لا أن يكون كلهم منفذين .. فهي مرحلة مستمرة متصلة ... أو مجال من المجالات الذي يتم فيه مراقبة التوزيع و تقسيم الأدوار .. المرحلة التي تنظم سير المراحل جميعا.

أتدرون بعد هذا كله ماهي الآية الخامسة في سورة الذاريات؟ بعد الآيات الأربع أو المراحل الاستراتيجية الأربع .. بالتأكيد .. (إنما توعدون لصادق)

فالمرور في المراحل الأربعة السابقة مقدمة لنتيجة حتمية وهي تحقق وعد الله تعالى، وعده الصادق ..

لقد أحببت التخطيط و سعيت كثيرا الى تبسيطه مع عدم اجتزاءه، لكني لم أجد يوما أروع من هذا التخطيط لمهمة ما .. واضح و مركز في 8 كلمات تعطيك نتيجة واضحة و محددة، بالرغم من عظمة المهمة ، مهمة الانسان على كوكب الأرض.

اتمنى اعتبار هذا المقال حافز لقراءة الكتاب.. و دمتم بخير . 

ليست هناك تعليقات: