هل يوجد فعلا قائد فذ؟
و إن كان موجود ما الذي جعله قائدا متميزا
فذّا ؟ أفضّل هنا أن لا أجزم
بأن الصفات الفلانية اذا توفرت ستصنع منك ايها القارئ
قائد فذ و حاسم و ملهم لسبب بسيط و هو:أن لكل حالة متطلباتها و ظروفها فلا يوجد
قائد فذ في كل مكان و في كل زمان، بل قائد ناجح في مواقف معينة، مواقف تتطلب أن يكون
القائد يتمتع بالصفات التي كان يتحلى بها..
و بعيدا عن الرمزيات و الطرح النظري المجرد
سأدخل في صلب الموضوع، الحديث هنا يدور حول نموذج رائع .. حول براعة خالد و تفرده في
صناعة النصر و الانجاز، خالد بن الوليد كقائد مؤثر حتى عندما لم يعطَ منصب القائد.
خالد بن الوليد .. و دوره العبقري و الملهم في فتوحات
بلاد الشام أيام الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب ، من يستطيع أن ينكر أنه كان قائد
فذ و ملهم و فريد من نوعه؟
حتى الجامعات الأوربية اليوم تدرس استراتيجياته
التي انتهجها في قيادة الفتوحات الاسلامية .
ان لصناعة النصر و تحقيق الانجاز فقها خاصا، ربما العقول الغربية تعيه خاصة حين بدأت تتكلم عن القيادة القائمة على
المباديء و الأخلاق.
هناك ثلاث صفات تحكم العالم –
بحسب كلام ستيفن كوفي في العادة الثامنة-
نقصد بذلك : أن المتأمل في الشخصيات القيادية المعاصرة المشهورة سيجد فيها ثلاث
صفات مشتركة.
الرؤية .. الانضباط ..الحماس
و يعتقد كوفي أن هذه الصفات الثلاثة هي التي حكمت العالم منذ بدء الخليقة .
لقد تجسدت هذه الصفات بشكل واضح في
خالد بن الوليد و أسلوبه في قيادة الجيش مما جعلته نموذجا لم تلد مثله النساء ..
من مواقفه العجيبة التي ذللت له الحصون موقفه أثناء حصاره لمدينة (قنسرين) و كان ذلك بعد فتح دمشق
وقد اشتهرت (قنسرين) بحصونها المنيعة ..
طالت مدة الحصار و كان جيش المسلمين بقيادة خالد ..
فأرسل خالد رسوله الى أهل (قنسرين) برسالة عجيبة ..
كانت سببا في استسلامهم
يقول في رسالته التي تتفجر حماسا : " لو كنتم في السحاب لحملنا الله
إليكم أو لأنزلكم إلينا فانظروا في أمركم"
و لعلهم رأوا من خلال كلمات خالد قوته التي لم يضعفها الحصار و حماسه
اللامتناهي لتحقيق هدفه و أنه لم تؤثر فيه طول المدة و مع سمعته التي انتشرت في
المدن و الأمصار قرروا أن لا يجازفوا بمواجهته فلن يكونوا أحسن حالا من دمشق في كل
الاحوال.
قرروا الاستسلام فاشترط عليهم خالد شرطا عجيبا .. و هو أن يقوموا بتخريب
الحصون و هدمها!
ما هو السر يا ترى ؟
كانت لخالد رؤية ثاقبة ، كانت هذه المدينة هي الأقرب الى هرقل .. و خشي أنه
بعد أن يفتحها ثم ينشغل عنها باستكمال الفتوحات في بلاد الشام أن ينتقض أهلها و
ينقلبوا على المسلمين بعد أن يأتيهم جيش جديد .. مدد من هرقل فيتحصن جيش هرقل فيها
..
إن خالد يريد أن يغرس نجاحاته و فتوحاته في أرض صلبة و هو ما يمكن أن
نسميه بالإجراء الوقائي لتجنب أي مشكلة ممكن أن تقع في المستقبل ..
يقول بيتر كويستن- متخصص في الادارة-
(إن القائد صاحب الرؤية يفكر
بتحقيق أهداف كبيرة و يفكر بطريقة جديدة و يفكر بما هو آت )
إن رؤية القائد تجعله قادر على التخيل .. تخيل تفاصيل رحلته
من المكان الذي يقف فيه إلى لحظة تحقيق هدفه الكبير و ألبرت أينيشتين يقول :
" إن التخيل أهم من المعرفة"
أما الإنضباط –بحسب رأيي- هو الأداة الأكثر فعالية في تحقيق هذه
الرؤية و تحويلها الى واقع و هي بلاشك تحتاج الى قدر كبير من قوة العزيمة و الصبر
و الارادة . و جميل ما قاله ستيفن كوفي عن الانضباط يقول: " معظم الناس
يقرنون الانضباط بفقدان الحرية ، إن العكس هو الصحيح فالأشخاص المنضبطون فقط هم
الأحرار حقا إن الناس الذين لا يعرفون الانضباط هم عبيد لأمزجتهم و رغباتهم و
تقلباتهم "
إن سيرة خالد تشعل في النفوس حماس لامتناهي و صدق القائل : أن الرؤساء
الخالدون يكفي ذكرهم لإثارة الاندفاع للعمل.
لقد اشتهر خالد بن الوليد
بقوة انضباط جيشه فكان الجيش يضع رحاله في زمن قياسي و حين يقرر المسير فجأة فإن
الجيش يكون جاهزا للمسير في زمن قياسي ايضا حتى أنه فاجأ بذلك العدو اكثر من مره.
و الحماس هو الدينمو الدافع و المولد الذي يجعلنا صناع
للمستقبل بدل من الجلوس على مقاعد المتفرجين مثل كثيرين و كثيرات في مجتمعاتنا
اليوم، أسهل ما يقومون به هو الانتقاد على المقاعد الوثيرة في الكافيهات ، بينما
يحتاج التغيير الخروج من منطقة الراحة و العمل الذي يحركه حماس داخلي متقد لا تخف
جذوته بكثرة المحبطات وبحسب ما قال دكتور سعد البراك إن أكبر أداة للتغيير أن تقع في غرام خطتك و أهدافك .
لقد تعلمت أيضا أن الرؤية تولد الحماس .. فأنت إن رأيت أمامك نصرا قريب
شمرت و اجتهدت للوصول اليه .. و لا أحد يستطيع التصويب نحو هدف لا يراه!
و دمتم .. في أمان الله