ما الذي يعنيه أن تكون مدير مدرسة ؟ ما الذي يعنيه أن تكون مسئولا عن مصنع ثقافة الأجيال و مهارات الاجيال و معارفهم و قناعاتهم ؟ بل و أكثر من ذلك أخلاقهم و مزاجهم و ذائقتهم .. ما الذي يعنيه أن تكون المسئول الأول عن تعليمهم و تهيئتهم للمجتمع للعالم ؟
هذا المنصب بحق أهم من أي منصب وزاري فأنت هنا تصنع المستقبل و تدير عملية تشكيل عقليات ابناء المجتمع الذين سيقودون التغيير للأفضل أو للأسوء في مجتمعاتهم .
و من هنا أتساءل ما الذي يتطلبه منك منصب مدير المدرسة؟ لا أقصد متطلبات وزارة التربية ، اقصد المتطلبات الحقيقية التي تجعل منك قائدا أفضل ، ما هي المعايير العالمية التي عليك تحقيقها، حتى تكون مؤهلا لقيادة هذه المؤسسه في الاتجاه الصحيح و الى المكان الصحيح ، ما الذي ينبغي أن تتقنه و كيف يمكن أن تقيّم نفسك قبل التفكير في تقييم الآخرين ؟
صدر عن مكتبة دار الفكر هذا العام ٢٠١٧ كتاب يتحدث عن هذا الموضوع بإسهاب، يتكلم الكتاب عن رخصة القيادة التي تُمنح لقادة المدارس وفق ٦ معايير وطنية مشتركة بين كل الولايات في الولايات المتحدة الامريكية.
هذه الحركة التي بدأت في أمريكا ، في معايير تم التوافق عليها في مجال المناهج المدرسية بدايةً ثم انتقلت الى الحديث عن معايير القيادة المدرسية تحتاج منا الى وقفة تأمل و تفكير، صحيح أن كل قائد فريد في ذاته و له مهاراته الخاصة و اسلوبه الخاص، لكن هناك أنماط يمكن تعلمها و متابعتها و تقييمها لضمان قيام القادة بممارسة دورهم في قيادة المدارس بفعالية أكبر ، و لست ممن يستورد ما تفصله الأمم الأخرى على مقاساتها لكن انا هنا اعرض و اناقش و اشارككم في التفكير بصوت مرتفع.
سأثرثر معكم في عدد من المقالات عن ٦ معايير مشتركة بين الولايات الامريكية لمنح رخصة قائد المدرسة ISLLC
و لأن الموضوع غاية بالأهمية في تقديري و لأنه مرتبط باهتمام شخصي فسوف أسمح لنفسي بالاسترسال بالحديث عن كل معيار من المعايير الستة في مقال خفيف لطيف منفصل حتى لا أثقل عليكم و انا أوجه هذه المقالات بالدرجة الأولى للقيادات المدرسية و لكل الشركاء في العملية التعليمية و كل المهتمين في تطوير واقع المدارس اليوم، لا أعتقد أنني الوحيدة هنا التي تعاني من واقع المدارس .. و لست الوحيدة حتما التي تتمنى أن تكون المدرسة منارة تربية حقيقية ومحضن تعليم و اثارة لشغف و فضول أبناءنا بشكل مؤسسي منظم لا بجهود فردية متفرقة هنا و هناك ، دعوني إذا احدثكم عن المعيار الأول :
(( القائد التربوي يعزز نجاح كل طالب من خلال تسهيل التطوير و التوضيح و التنفيذ و الاشراف على رؤية للتعلم تكون مشتركة و مدعومة من قبل كل الشركاء))
ربما لقادة المدارس أو لمدير المدرسه -كما تم التعارف على تسميته- رؤية لمدرسته للسنوات القادمة ، الخمس سنوات القادمة أو العشر سنوات القادمة أو ربما يدير عمله الروتيني عشوائيا بدون رؤية خاصة بمدرسته منطلقة من واقع المدرسة و ظروفها و بيئتها الفريدة و ما تعانيه من عقبات كل مدرسة هي بيئة مختلفة لها ظروف خاصة و مع ذلك هناك أسئلة مهمة يجب أن تناقش حتى ان كان لهذا القائد (مدير المدرسة) رؤية، الى أي مدى تعتبر هذه الرؤية دقيقة ؟ من يعرف هذه الرؤية ؟ هل كتبت ووضعت في الادراج ؟ أم ان كل طالب و كل معلم في المدرسة يعرف الى أين تريد هذه المدرسة أن تذهب في السنوات القادمة، الرؤية ليست عبارات تكتب و تكون خاصة بالادارة او بمدير المدرسة ، الرؤية هي عقيدة هي حلم على كل معلم في المدرسة أن يتبناه و يؤمن بقدرته على تحقيقه ، رؤية المدرسة للسنوات القادمة هي خريطة على جميع الشركاء أن يملكوا نسخة منها ، الاداريين ، المعلمين ، الطلبه .. و حتى أولياء الامور، لا يهم اذا كنت مدير مدرسة و لا تمتلك قدرة جيدة على كتابة رؤية دقيقة و صحيحة فأنت قادر على الاستعانه بمختصين ، استعن بصديق و اجعله يساعدك على تشكيل الحلم الذي تريد تحقيقه يساعدك على ايضاح معالمه على كتابته بالشكل الصحيح على نشره بالشكل الصحيح بين الشركاء.
الرؤية الملهمة قادرة على اثارة حماس كل العاملين معك في المدرسة ، انتقل لو سمحت من مرحلة اللوم على اللامبالاة و التسيب الى مرحلة الهامهم تحفيزهم دفعهم الى تبني رؤيتك الواضحة و الدقيقة و الواقعية للسنوات القادمة ، اسمح لهم أن يشاركوا في النجاح .. اجعلهم شركاء حقيقيين .. المعلمين و الاداريين و الطلبة كذلك و كل من له علاقة بأهدافك انت مدير المدرسة ، في التغيير .. نحن نعرف أن القائد الجيد يصنع الفرق كله ، الفرق كله لا بعضه لأنك أنت وحدك المسئول عن تحريكهم و دفعهم نحو تحقيق الرؤية .
انت لن تذهب الى مكان لا تعرف اين يقع فعلا ، انت لا تستطيع التصويب لهدف لا تراه جيدا ، او لهدف متغير يختلف يوما بعد يوم .. فاليوم تريد شيء مختلف عن ما كنت تطمح اليه الشهر الماضي ، تشكلك الاحداث و تستدرجك المشكلات و الطواريء ، لا تسمح للعاجل من الامور أن يسرقك من الحلم .. من صياغة رؤية للارتقاء بالمدرسة و تعزيز نجاح كل طالب و تسهيل تطوره و تطور المدرسه في المجالات و الاقسام المختلفة ، هل حقا يهتم القادة في مدارسنا بقشور صبغ الحوائط و تعليق لوحات و الفوز بكؤؤس لا معنى لها و يهملوا العمل على ايجاد رؤية تعلم مشتركة يدعمها كل فرد في المدرسة ؟ لكم السؤال..
و الى لقاء قريب في حديث عن المعيار الثاني من معايير القيادة المدرسية .. دمتم بود
م. منال الفيلكاوي