من المسئول عن توفير بيئة آمنة ؟
هل تعرف متى يظهر الصراع بين الفرد و المؤسسة؟
متى يكون هناك عدم توافق بين المدرسة و المعلمين؟
عندما لا تتوافق توقعات المعلم مع توقعات المدرسة فيما يخص الدور الذي يجب أن يقوم به في المدرسة ، و فيما يخص الحاجات الأساسية المتعلقة بهذا الدور و التي يتوقع المعلم من المدرسة أن تساعده في توفيرها ، حتى تكون المدرسة داعمة و ممكنه للمعلم للقيام بوظيفته؛ و هذا الإختلاف في التوقعات بحسب نظرية الأنظمة الاجتماعية سيؤثر سلبًا على أداء المعلم .
الوضع المثالي أن تكون حاجات المعلم فيما يخص دوره ، و أهداف المدرسة -التي يجب أن تكون داعمة و ممكنه للمعلم - متوافقة.
و لكن ليس هذا هو الحال دائما و من هنا يبدأ الصراع ، صراع يصل إلى مراحل مضحكة مبكية في الكثير من مدارسنا ، صراع يجعل التعليم مهنة طاردة . فمن المسئول عن هذا الخلل و من المسئول عن إصلاح هذا الخلل؟
في مقالين سابقين تكلمت عن المعيار الأول
و المعيار الثاني
من المعايير المشتركة بين الولايات المتحدة لمنح رخصة قائد المدرسة ، وهي معايير يمكن الاستفادة منها للارتقاء بمستوى المدارس من خلال الارتقاء بمستوى قياداتها ، فشخصيا أنا مؤمنة بأن (القائد يصنع الفرق كله) نجاح نظام أو نجاح مؤسسة أو نجاح مدرسة هو نجاح القائد و فشلها هو فشل للقائد و على مدراء و قادة المدارس أن يتحلوا بالشجاعة الكافية ليعلنوا عن مسئوليتهم تجاه نجاح أو فشل مدارسهم .
دعونا لا نبتعد كثيرا عن الموضوع ، موضوعنا اليوم هو:
المعيار الثالث من معايير رخصة القيادة المدرسية و الذي ينص على :
(القائد التربوي يعزز نجاح كل طالب عبر ضمان إدارة المؤسسة، و العمليات ، و الموارد من أجل بيئة تعلم آمنة و فعالة و فاعلة )
تمثل الكلمات الثلاث الأخيرة من نص المعيار الثالث حلم بالنسبة إلى أم مثلي ، مدرسة توفر بيئة آمنة و فعالة و فاعلة كدت أشك -بعد تجربتي الشخصية- أن مثل هذا الشيء هو موجود في الجنة فقط !
حسنا ، لن أكون متشائمة كثيرا .. و لعل الكثير منكم سيخبرني الآن أن لدي معايير عالية و غير واقعية في تقييم البيئة (الآمنة) و (الفعالة ) و (الفاعلة) لكن من منكم يستطيع أن يثبت أن قياس وجود هذه البيئة من عدمه في المدارس الحكومية أو الخاصة يتم بشكل مهني؟
هل يمثل توفر هذه البيئة أولوية عند مدراء المدارس؟ أين هو ”بلوم“ حتى مما نشاهده في مدارسنا اليوم !
ابحث فقط في موضوع نظافة دورات المياه ، أو جودة التكييف أو أو أو .. أبحث في شكاوي التنمر و الاجراءات المتبعة ، ابحث في قيم الاحترام بين الطلبة و المدرسين في الاتجاهين .. احترام الطالب للمدرس و احترام المدرس للطالب ، ابحث في قيمة التسامح و الكثير من مواقف هدر كرامة الأطفال ، ابحث في كل هذه العناوين و أثبت لي أننا نمتلك مدارس فيها بيئة آمنة و فعالة و فاعلة .
أريد هنا أن ألفت انتباهكم فقط ، سواء كنت ولي أمر أو مدير أو معلم أو لا أحد من هؤلاء لكن يهمك أن يعامل الأطفال بإنسانية و احترام ليشعروا بالأمان ، على الأقل.. لأن انعدام الأمان سيكون حاجزا فولاذيًّا في وجه حب المدرسة أو تعزيز شغف التعلم ، أريد أن ألفت انتباهكم أنكم لا ينبغي أبدا أن تقبلوا ببيئة مدرسية لا يتوفر فيها الأمان سواء الأمان الجسدي أو النفسي ، حتى عندما يصبح من الصعب الحصول على بيئة آمنه نفسيا و جسديا بشكل مُرضي ، على الأقل أنت غير ملزم بالقبول و التكيف !
ستبقى في كل الأحوال تحتفظ بحقك في الإعتراض و في الشكوى و في محاولات الإصلاح ، عندما تأتي ابنتك لتخبرك بأنها غير قادرة على دخول دورات المياه في المدرسة لأنها سيئة جدا بشكل لا يطاق ، أو عندما يأتي ابنك ليخبرك أنهم درسوا يوما دراسيا كاملا في فصل غير مكيّف في درجة حرارة تتعدى ال ٤٠ درجة مئوية فإن تهوينك الأمر على ابنك و تحفيزه لطلب العلم مهما كانت الظروف المحيطة لا يعني أنك يجب أن تقبل بهذه البيئة و تصمت و أنت في دوله مثل الكويت .
هل خرجنا كثيرا عن موضوع القيادة المدرسية و بدأنا نحكي الهموم اليومية التي يعاني منها الكثير من طلبتنا في المدارس؟ في الحقيقة لا .. أنا هنا أريد أن أخبركم أن كل ما يحدث في المدرسة هو مسئولية مدير المدرسة ، إنها ليست مشكله عاملة النظافة و لا المدرس الذي وافق أن يدرس الطلبة حصة كاملة بدون تكييف في صيف الكويت الحار و ليست مشكلة أي فرد في المدرسة انها مشكله قائد المدرسة الذي كان غير قادر بشكل ملفت على ادارة المدرسة بفعالية و ادارة العمليات في المدرسة عند وجود مشكلة بارزة و بما يحقق بيئة تعلم آمنة و فعالة و فاعلة .
حسنا ، ستخبروني ربما ليست مشكلة مدير المدرسة ربما الوزارة ؟ لكن فكروا معي ، ما هو الاجراء الذي اتخذه كمدير ؟ و لماذا ينجح البعض و يفشل البعض الآخر في إيجاد حلول و سيناريوهات بديلة عند عدم وجود دعم من الوزارة ؟
عندما يسعى مدير المدرسة لتحقيق المعيار الثالث من معايير القيادة سيحتاج إلى الإهتمام بقضيتين ، الأولى : المحافظة على بيئة تعلم منتجة . و الثانية : وضع إجراءات لتيسير حدوث التغيير بفعالية .
تحتاج كلتا القضيتين إلى مهارات إدارية ، هناك دائما حد أدنى من المهارات الإدارية اللازمة في كل وظيفة ، و كونك مدير مدرسة فيتوقع أولياء الأمور و المعلمين أنك تمتلك قدرًا مناسبا من المهارات الإدارية ، سنتجاوز عن مسألة وجود أو عدم وجود اختبارات و مقاييس تقيس قدرتك الإدارية لأن الميدان في كل الأحوال هو الذي سيخبرنا بمقدار ما تمتلكه كمدير من هذه المهارات ، لكن النقطة المهمة هنا هل تعلم أنت مستواك الإداري؟ هل تدرك كمدير حاجتك الى سد النقص في مهاراتك الإدارية ؟
سنجد مدراء المدارس في الغالب أحد أربعة أنواع : النوع الأول لا يعلم أنه لا يمتلك المهارات اللازمة أساسا و يستمر في إلقاء اللوم إثر فشله على الكثير من الشماعات المتاحة ، كالوزارة أو نوعية الطلبة أو ثقافة المدرسين و غيرها ، و النوع الثاني : يعلم أنه لا يمتلك المهارات الإدارية لكن كبرياءه كمدير سيحول بينه و بين مواجهة المشكله و لن يقرر أبدا أن يتخذ خطوة الى الأمام و يتعلم ما ينقصه ، أما النوع الثالث فيعلم أنه لا يملك كل المهارات الإدارية اللازمه و سيحرص على اكتسابها لكنه سيقف عند قدرته على تحويل العلم النظري إلى تطبيق عملي ، و النوع الأخير هو الذي سيجتاز المراحل الأربعة للتعلم و ممارسة ما تعلمه ، يعرف ما ينقصه تحديدا ، يسعى بجد لاكتساب المعرفة و المهارة الإدارية اللازمة ، و سيتجاوز المعرفة المجردة الى النجاح في تطبيق هذه المعرفة في المؤسسة أو بمعنى أصح في المدرسة التي يقودها .
في النهاية تتمثل أمامي بقوة المقولة الشهيرة :
أي شخص .. يمتلك القدرة على القيادة عندما يكون البحر هادئًا ..
دمتم في رعاية الرحمن