الثلاثاء، 21 أكتوبر 2014

القائد الفذ ..

هل يوجد فعلا قائد فذ؟

و إن كان موجود ما الذي جعله قائدا متميزا فذّا ؟ أفضّل هنا أن لا أجزم

بأن الصفات الفلانية اذا توفرت ستصنع منك ايها القارئ قائد فذ و حاسم و ملهم لسبب بسيط و هو:أن لكل حالة متطلباتها و ظروفها فلا يوجد قائد فذ في كل مكان و في كل زمان، بل قائد ناجح في مواقف معينة، مواقف تتطلب أن يكون القائد يتمتع بالصفات التي كان يتحلى بها..

 و بعيدا عن الرمزيات و الطرح النظري المجرد سأدخل في صلب الموضوع، الحديث هنا يدور حول نموذج رائع .. حول براعة خالد و تفرده في صناعة النصر و الانجاز، خالد بن الوليد كقائد مؤثر حتى عندما لم يعطَ منصب القائد. 

خالد بن الوليد .. و دوره العبقري و الملهم في فتوحات بلاد الشام أيام الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب ، من يستطيع أن ينكر أنه كان قائد فذ و ملهم و فريد من نوعه؟
 حتى الجامعات الأوربية اليوم تدرس استراتيجياته التي انتهجها في قيادة الفتوحات الاسلامية .
ان لصناعة النصر و تحقيق الانجاز فقها خاصا، ربما العقول الغربية تعيه خاصة حين بدأت تتكلم عن القيادة القائمة على المباديء و الأخلاق.

       هناك ثلاث صفات تحكم العالم – بحسب كلام ستيفن كوفي في العادة الثامنة-  نقصد بذلك : أن المتأمل في الشخصيات القيادية المعاصرة المشهورة سيجد فيها ثلاث صفات مشتركة.

الرؤية .. الانضباط ..الحماس

و يعتقد كوفي أن هذه الصفات الثلاثة هي التي حكمت العالم منذ بدء الخليقة .

 لقد تجسدت هذه الصفات بشكل واضح في خالد بن الوليد و أسلوبه في قيادة الجيش مما جعلته نموذجا لم تلد مثله النساء ..

     من مواقفه العجيبة التي ذللت له الحصون موقفه أثناء حصاره لمدينة (قنسرين) و كان ذلك بعد فتح دمشق وقد اشتهرت (قنسرين) بحصونها المنيعة ..

طالت مدة الحصار و كان جيش المسلمين بقيادة خالد  ..
فأرسل خالد رسوله الى أهل (قنسرين)  برسالة عجيبة .. 

كانت سببا في استسلامهم

يقول في رسالته التي تتفجر حماسا : " لو كنتم في السحاب لحملنا الله إليكم أو لأنزلكم إلينا فانظروا في أمركم"

و لعلهم رأوا من خلال كلمات خالد قوته التي لم يضعفها الحصار و حماسه اللامتناهي لتحقيق هدفه و أنه لم تؤثر فيه طول المدة و مع سمعته التي انتشرت في المدن و الأمصار قرروا أن لا يجازفوا بمواجهته فلن يكونوا أحسن حالا من دمشق في كل الاحوال.
قرروا الاستسلام فاشترط عليهم خالد شرطا عجيبا .. و هو أن يقوموا بتخريب الحصون و هدمها!
ما هو السر يا ترى ؟
كانت لخالد رؤية ثاقبة ، كانت هذه المدينة هي الأقرب الى هرقل .. و خشي أنه بعد أن يفتحها ثم ينشغل عنها باستكمال الفتوحات في بلاد الشام أن ينتقض أهلها و ينقلبوا على المسلمين بعد أن يأتيهم جيش جديد .. مدد من هرقل فيتحصن جيش هرقل فيها ..

إن خالد يريد أن يغرس نجاحاته و فتوحاته في أرض صلبة و هو ما يمكن أن نسميه بالإجراء الوقائي لتجنب أي مشكلة ممكن أن تقع في المستقبل ..

يقول بيتر كويستن- متخصص في الادارة-   
 (إن القائد صاحب الرؤية يفكر بتحقيق أهداف كبيرة و يفكر بطريقة جديدة و يفكر بما هو آت )

إن رؤية القائد تجعله قادر على التخيل .. تخيل تفاصيل رحلته من المكان الذي يقف فيه إلى لحظة تحقيق هدفه الكبير و ألبرت أينيشتين يقول : " إن التخيل أهم من المعرفة"

أما الإنضباط –بحسب رأيي- هو الأداة الأكثر فعالية في تحقيق هذه الرؤية و تحويلها الى واقع و هي بلاشك تحتاج الى قدر كبير من قوة العزيمة و الصبر و الارادة . و جميل ما قاله ستيفن كوفي عن الانضباط يقول: " معظم الناس يقرنون الانضباط بفقدان الحرية ، إن العكس هو الصحيح فالأشخاص المنضبطون فقط هم الأحرار حقا إن الناس الذين لا يعرفون الانضباط هم عبيد لأمزجتهم و رغباتهم و تقلباتهم "

إن سيرة خالد تشعل في النفوس حماس لامتناهي و صدق القائل : أن الرؤساء الخالدون يكفي ذكرهم لإثارة الاندفاع للعمل.
       لقد اشتهر خالد بن الوليد بقوة انضباط جيشه فكان الجيش يضع رحاله في زمن قياسي و حين يقرر المسير فجأة فإن الجيش يكون جاهزا للمسير في زمن قياسي ايضا حتى أنه فاجأ بذلك العدو اكثر من مره.
      
و الحماس هو الدينمو الدافع و المولد الذي يجعلنا صناع للمستقبل بدل من الجلوس على مقاعد المتفرجين مثل كثيرين و كثيرات في مجتمعاتنا اليوم، أسهل ما يقومون به هو الانتقاد على المقاعد الوثيرة في الكافيهات ، بينما يحتاج التغيير الخروج من منطقة الراحة و العمل الذي يحركه حماس داخلي متقد لا تخف جذوته بكثرة المحبطات وبحسب ما قال دكتور سعد البراك إن أكبر أداة للتغيير أن تقع في غرام خطتك و أهدافك .

لقد تعلمت أيضا أن الرؤية تولد الحماس .. فأنت إن رأيت أمامك نصرا قريب شمرت و اجتهدت للوصول اليه .. و لا أحد يستطيع التصويب نحو هدف لا يراه!


و دمتم .. في أمان الله