الأربعاء، 28 نوفمبر 2018

جرعة قيادة

الأنماط الستة لدانيال جولمان 





       هل تتخيل قائدا حقيقيا لا يمتلك القدرة على إدارة ذاته أو إدارة علاقاته بشكل فاعل و جيد ؟ هل تتخيل قائد ناجح بدون وعي ذاتي أو مهارات اجتماعية ؟ لذلك قيل أن الذكاء العاطفي هو الأساس في تكوين شخصية القائد و يوجد حد أدني من المهارات التي يجب أن تتوفر عند القائد ليتمكن من تحقيق النتائج و يمكن أن نطلق عليه قائد بحق ، فبخلافه منصبه أو مكانته في هيكل المؤسسة التي يعمل فيها لن يكون قائدا حتى ينجح في تحقيق النتائج .  

يلخص دانيال جولمان الأنماط الستة للقيادة المتميزة في مقال له منشور من ضمن اصدارات هارفرد عن نتائج بحوث أجرتها شركة استشارية (هاي ماكبير) اعتمدت على عينة عشوائية من ما يقارب الأربعة آلاف مدير تنفيذي اختيروا من قاعدة بيانات تضم أكثر من ٢٠ ألف مدير تنفيذي حول العالم . 

       ملخص الدراسة أن الانماط الستة للقيادة المتميزة ليست سمات شخصية،  بل خيارات استراتيجية يقرر القائد أن يختار أحدها تبعا للموقف الذي يكون فيه . و لعلكم سمعتم عن (القيادة الموقفية) و هي نظرية تقول أن أسلوب القيادة الملائم يعتمد على الموقف مما يعني أنك حتى تكون قائد ناجح فعليك أن تغير أسلوبك في القيادة وفقا للأوضاع و المهام و نوع الأتباع . 

       الدراسة التي تحدث عنها دانيال جولمان و النتائج التي خلصت إليها - بإعتقادي- ماهي إلا تطور يدعم نظرية القيادة الموقفية ، ما يعنينا هنا هو..  ماهي هذه الأنماط الستة ؟ وماذا قالت الدراسات عن الظروف المناسبة لإختيار كل نمط منها و هذا ما سأحاول تلخيصه لكم في هذا المقال ، لعلها تدعم خياراتكم في قيادة أعمالكم المختلفة أيَّا كانت طبيعتها . 

اثبتت الدراسات أن أربعة من الأنماط الستة القيادية فقط..  لها تأثير إيجابي في مناخ العمل و النتائج بصورة مستمرة ، بالتأكيد كثير من القادة المتميزون  يعتقدون  أن نجاح القائد يعتمد تحقيقه للنتائج و هذه هي المهمة الأهم لكل قائد. حسنًا دعونا نبدأ نستعرض الأنماط الستة  التي ذكرها جولمان: 

١- النمط القسري (افعل ما اطلبه منك)

       اسلوب القائد في هذا النمط يتطلب الامتثال الفوري من الاتباع ، لا يهمه في الظرف الحالي تحفيز الناس او تعريفهم بكيف تتلائم وظائفهم مع الرؤية أو مع بعضهم البعض .. فقط افعل ما اطلبه منك و قد يبدو القائد هنا متنمرا بعض الشيء و ربما يهرب بعض الكفاءات من المؤسسة بسبب استخدامه لهذا الاسلوب في القيادة ، ليس غريبا أن هذا النمط صنف من الانماط  التي لها تأثير سلبي في مناخ العمل و النتائج بالرغم من ذلك .. تذكر أن لكل نمط حالات و أوضاع محدة يكون فيها هذا النمط خيارا جيدا للقائد ، فمثلا : حالات الطواريء او التحولات الجذرية في العمل قد تتطلب قائد يعمل وفق النمط القسري في القيادة حتى و لو كان تأثيره سلبي على مناخ العمل او النتائج .

٢- النمط التسلطي (وافقني الرأي) 

       يحث الناس على الاستبصار ، و هو ضروري عندما يتطلب التغيير وضع رؤية جديدة للعمل ، مهم جدا أن يمتلك القائد رؤية لما يجب القيام به و يحث أتباعه على الاستبصار و رؤية ما يراه هو كقائد مناسبا و كيف ستحل رؤيته المشكله أو ترتقي بالعمل بشكل عام بمعنى آخر يقوم القائد هنا بتسويق رؤيته و حمل الناس على الإيمان بها، معيار هذا القائد في العمل : هل يسهم الأداء في الرؤية و يعززها أو لا يسهم  ؟ يمتلك القائد هنا مرونه في إعطاء الناس الكثير من الحرية للابتكار و التجربة و القيام بالأعمال التي يرونها مناسبة مادامت تسهم في تحقيق الرؤية ، هذا النمط هو أحد الانماط الأربعة التي لها تأثير إيجابي في مناخ العمل و تحقيق النتائج بصورة مستمرة، سيفشل هذا النمط عندما يعمل القائد مع فريق من الخبراء أو الأقران الذين يمتلكون خبرة أعلى من خبرته في المجال الذي يعمل فيه. 

٣- النمط العطوف (الناس أولا) 

       يقدر القائد هنا الأفراد و مشاعرهم الخاصة أكثر من المهام و الأهداف فهو يحاول دائما إسعاد الجميع و إيجاد الإنسجام فيما بينهم و هذا ليس سيئا دائما، تبرز الحاجة الى هذا النمط عندما يريد القائد تعزيز الشعور بالانتماء أو رأب الصدع في الفريق أو ربما تحفيز الناس في الظروف الصعبة ، هذا النمط من الأنماط الاربعة التي لها تأثير ايجابي مستمر على مناخ العمل و على النتائج الخوف فقط أن لا يحصل الاتباع على تغذية راجعه تنبههم الى الأخطاء التي يقعون فيها فالقائد في هذا النمط غالبا ما يعطى تغذية راجعة إيجابية للحفاظ على الروح المعنوية و الانسجام في الفريق . 

٤- النمط الديمقراطي ( ما رأيك؟ ) 

       يعزز القائد المرونة و المسئولية و يكسب الثقة و الإحترام عندما يعطي أتباعه فرصة إبداء الرأي في القرارات التي تؤثر في اعمالهم و اهدافهم ، و يتعلم هو من خلال الحوارات في اجتماعات اتخاذ القرار التي يعقدها مع الاتباع .. مخاوف اتباعه و كيف يطمئنهم و يحافظ على روح معنوية عالية ، هذا النمط ضروري عندما يكون القائد نفسه غير متيقن من الاتجاه الصحيح الذي يجب أن يسلكه ، غير أن الاستمرار بهذا النمط بشكل مستمر قد يؤدي الى سلسلة لا تنتهي من الاجتماعات خاصة مع تباين وجهات النظر او عدم تجانس الفريق فأنت كقائد لا يمكنك التصويت على كل القرارات !
 هذا النمط قد يكون مناسبًا أيضا عندما يريد القائد الذي يمتلك رؤية أن يحصل على افكار جديدة لتنفيذ هذه الرؤية ، يفشل هذا النمط عندما يكون الاتباع ذوي قدرات محدودة و غير قادرين على تقديم المشورة او الافكار الجيدة ، هذا النمط أيضا من ضمن الانماط الأربعة التي اثبتت تأثيرا ايجابيا مستمرا على مناخ العمل و تحقيق النتائج. 

٥- النمط التقدمي (افعل كما أفعل الآن) 

       هذا النمط هو النمط الثاني ذو التأثير السلبي على مناخ العمل و على تحقيق النتائج (قلنا سابقا ٤ فقط من الأنماط الستة لها تأثير ايجابي مستمر على مناخ العمل و تحقيق النتائج و اثنين لها تأثير سلبي )  ، المشكلة أن القائد حين يختار هذا النمط في غير محله  يُشعر الموظفين بالإرهاق فهو كقائد مولع بالقيام بالأمور بسرعة و بأفضل صورة ممكنه و أمانةً رأيت هذا النمط في تجربتي الشخصية و رأيت كيف يهرب الأتباع من القائد الذي ينتهج هذا النمط كخيار باستمرار ، القائد الذي يتبنى هذا النمط كخيار تكون معاييره عالية و لسان حاله يقول : (اذا كنت ملزما لأقول لكم ما يجب فعله ، فأنتم الأشخاص الذين من الخطأ بقاؤهم في الوظيفة) التعامل مع هذا النمط صعب لأنه يتوجب على الأتباع تخمين ما يرغب فيه القائد حقيقةً،  يريد القائد انجازات بمعايير عالية لكن غالبا لا يعرفها الاتباع..  لا يعرفون ما يريده بالضبط منهم، و هم -الاتباع- غالبا ما يشعرون أن القائد لا يثق بطريقتهم في العمل و هنا تختفي المرونة و المسئولية فخروج هذا القائد من العمل - و الذي يمثل الخبير في بيئة العمل - يشعر الناس بالضياع و قد يتوقف العمل ، لكن هذا النمط يكون مناسب في حالات محدودة مثل الحصول على نتائج سريعة من فريق يتمتع بكفاءة عالية و تحفيز عالي و يحتاج إلى قليل من التوجيه و التنسيق فإن كنت قائد و كلفت بقيادة فريق على قدر عالي من الموهبة و التحفيز الذاتي فإن النمط التقدمي سيكون مناسبا حينها ، قلنا إن للنمط القسري و النمط التقدمي تأثير سلبي على مناخ العمل و تحقيق النتائج لكن هذا لا يعني عدم الحاجة له على الاطلاق بل لكل نمط حالات يكون فيها هو الخيار الأمثل. 

هذا ينبهنا إلى أن نجاح القائد الذي يتخذ أحد هذه الانماط كخيار دائما قد يتحقق اذا صادف الظرف و الحالة الملائمة لنجاحه و لعله لو عمل في ظروف مختلفة ما كان ليستمر بالنجاح ، يبقى النمط السادس و الأخير من الأنماط الستة التي يجب أن يتخذها القادة كخيارات متنوعة مرتبطة بالظرف و الموقف و طبيعة الاتباع و هو:

٦- النمط التدريبي (جرّب هذا) 

       هذا نمط يتقبل فيه القائد الفشل على المدى القصير اذا كان هذا الفشل سيعزز التعلم عند الأفراد على المدى الطويل ، هو نمط القائد الذي يساعد الناس على النمو و التعلم ، هذا هو القائد الذي يقول ضمنيا للأتباع ( أنا أؤمن بكم ، و أستثمر فيكم ، لذا أتوقع منكم بذل قصارى جهودكم ) و الجميل في هذا النمط أنه يرفع الأتباع في الغالب إلى مستوى التحدي ب عقولهم و قلوبهم و أرواحهم ، بالرغم من أن الدراسات أثبتت أن هذا النمط هو الأقل استعمالا من بين الأنماط الستة السابقة ، و بالرغم من أنه يصلح في كثير من الحالات .. لكن سيفشل اذا لم يكن عند الاتباع رغبة حقيقية في التعرف على نقاط ضعفهم أو رغبة صادقة في تحسين أدائهم أو مقاومة للتعلم و النمو. و من الجدير بالذكر أن شركات كثيرة أدركت أثر هذا النمط الإيجابي و بدأت تربط المكافآت السنوية للقائد بما يحققه من تطوير و نمو لموظفيه المباشرين . 

       كانت تلك ستة أنماط ذكرها دانيال جولمان في احد اصدارات هارفرد ، وهي في ظني تطور لنظرية القيادة الموقفية فمن الواضح ان هذه الانماط بُنيت على تلك النظرية ، و في الختام أقول ( كل قائد هو ربان ماهر عندما يكون البحر هادئا ) الأزمات و المواقف المتغيرة و الانماط المختلفة للاتباع الذين يتعامل معهم القائد و حكمته في اختيار النمط المناسب مع كل موقف و كل شريحة يبقى هو المؤشر الذي سيفرق بين كفاءة القادة  .. القادة الذين سيحملون مشعل التغيير و يحققون النتائج . 

الثلاثاء، 17 أبريل 2018

كبّر الصورة





     نحن النساء بالذات .. لأننا نمثل نصف المجتمع و لأننا من  يلد و يربي نصفه الآخر  نعتبر أنفسنا أكبر من طرف في معادلة (١+١ = ٢ ) ، و لأننا نُظلم أحيانا من المجتمع أو من القوانين الوضعية ، تأسرنا حركات الاهتمام التي ترغب في تحريرنا و تطويرنا و تمكيننا من حقوقنا ، هذه الحركات لها غاية براقة إلا أن البعض منها ينطلق من منطلق ان المجتمع ذكوري و نحن المضطهدين من الرجال ، هذه الصورة التي تُرسم لنا و تضعنا في قالب الضحية تسبب لي مشكلة!

ليس لأننا مجتمع ينصف المرأه بالكامل ، بل لأننا لا نخوض معركةً هنا مع الرجل لأنه رجل ليست هذه هي معركتنا الحقيقية ، فقد تَظلم المرأة بنات جنسها و أعرف أن كثيرات قد يستحضرن الآن نساء أعلى منهن في الهيكل الوظيفي ربما مارسن الظلم في حقهن، مشكلتنا مع الظلم ذاته و ليست مع جنس الشخص المتسبب به ، الظلم أيا كان نوعه ، اجتماعي أو وظيفي أو غيره ،  كثير من الرجال ينصفون المرأة أكثر من بعض النساء فما الهدف منتذكير المشكلةان صح التعبير؟ 

هل ننتبه حقا الى أن التعميم من آفات التفكير و أننا نمارس التعميم عندما نضع كل الرجال في كفة الشرير و كل النساء في كفة الضحية! 

هل ندرك أن بعض من يطالب للمرأة بحقوقها يقع في مشكلة التعميم عمدًا أو بالخطأ. دعوني أخبركم ما حدث قبل يومين إثر متابعتي للحضور النسائي في كلتا الفعاليتين في اليومين الماضيين ، فعاليتين في نفس التوقيت الأولى بعنوان (نعمة معرفة الله) للأستاذة أناهيد السميري أقيمت ضمن فعاليات جائزة الكويت الدولية لحفظ القرآن الكريم ، و الثانية مهرجان خطابي للجمعية الثقافية حول تحرر المرأة و الدفاع عن حرية المرأة الكويتية ، و قد وصفت فيه د فريدة حبيب في هذا المهرجان ما تسميه فئة من المجتمع (ثوابت إسلامية) ب (كوابت التحرر و الإرتقاء).  في الفعالية الأولى كان الحضور يقارب الألف سيدة ، جاءوا لينصتوا ل (الثوابت الاسلامية ) فيما تخبرني الصورة في الفيديو الذي رأيته للمهرجان الخطابي بأن العدد الذي صفّق لاعتبار تلك الثوابت (كوابت التحرر و الارتقاء) لا يتعدى عُشر العدد في الفعالية الأولى.

هذه المفارقة جعلتني أدرك أن الصوت العالي لا يعنى بالضرورة تمثيله لعدد اكبر من النساء الكويتيات ، الصوت العالي بالرغم من حشده و دعوته للمهرجان لأيام لم يتجاوز العُشر من الحشد الحقيقي الذي تهافت راغبا ولم يجد كراسي للجلوس ! 

 كان ذاك دافعا لكتابة هذه الكلمات ، لأقول بصوت مرتفع إنني مثلهن أدعو إلى تحرير المرأة من صرعات الفكر المستورد الذي يدعو إلى النسوية في مقابلة الذكورية و يدعو إلى خلق صراع لن يكون ضحيته في نهاية المطاف إلا كيان الأسرة .. أنا امرأة لا أقبل بأن أكون ساذجة إلى الدرجة التي تفتنني فيها شعارات تمكين أو تحرير ، أنا امرأة أدرك أن الخطأ و الظلم يجب أن يُرفع عن بنات جنسي لكن تعميم المشكلة وتذكيرهابهذا الشكل و جعل الرجل فيها هو الشرير و المرأة هي الضحية لا أتقبله و لا أستوعبه، و أعلم أنه سيُبقي الصراع محتدما بين المرأة و الرجل إلى وقت طويل ، و في النهاية هدم كيان الأسرة و تفكيكها سيكون نتيجة منطقية .

هدم الأسرة لن يكون هو الطريق الصحيح الموصل إلى تمكين المرأة من النجاح و التفوق و التميز ، ثوابتنا الاسلامية التي تنشب حولها معركة شرسة اليوم يسميها البعض اهتمام ساذج بلباس المرأة ، في حقيقتها هي معركة فكرية بين تحصين الأسرة و بين تفكيكها و تشويهها و ذلك بضرب الحلقة الأقوى فيها .. المرأة ، المرأة التي هي أكثر من نصف المجتمع ، المرأة المسلمة التي لن ترغب أبدا في النموذج الغربي لأنها تمتلك نموذج أفضل ، نموذج يراعي فطرتها و دورها في الحياة و يجعل خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم يوصي بها حتى آخر أيام حياته بأبي هو و أمي ، يوصي بها و يقول : (رفقا بالقوارير) و ما أروع التشبيه ، نعم رفقًا بنا.

سأدعو كل امرأة تقرأ كلماتي هذه إلى أمرين : - اقرأي ، فكري ، لا تقبلي الأفكار المستوردة  لأن أفكارك هي المحرك ، هويتك تشكلها أفكارك التي تؤمنين بها ، معتقداتك عن نفسك  و عن المجتمع و عن العالم من حولك ، و ان كنت حقا تؤمنين بالثوابت الإسلامية ، تؤمنين ب لا إكراه بالدين ،  تؤمنين بالحجاب ، تؤمنين أن القرآن و السنة النبوية مصادر التشريع فاجعليهم المرشّح (الفلتر) لكل فكر جديد، لكل دعوة جديدة ، لكل صيحة و هبّة .

و الأمر الثاني :  كبري الصورة لتشاهدي تفاصيلها بوضوح ففي كثير من الأحيان يُخفي المشهد ، أكثر مما يَظهر منه  .. ليس القضية لباس أو حجاب ، القضية ثوابت إسلامية ، و أسرة مستقرة غير قابلة للتفكيك أو الذوبان  و دمتم في رعاية الرحمن .