الأحد، 31 ديسمبر 2023

عامٌ جرفه الطوفان



إلى أولئك القوم الجبارين الذي ربوا شعوب العالم و أحدثوا ثورة في مستوى الوعي و الإهتمامات و شرّعوا أبواب النصر حتى دخل الناس في دين الله أفواجا .. لقد ضربتم أروع مثال لما يمكن أن يصنعه التخطيط المُحكم الذي يبدأه العبد بالإستعانة بالله و يختمه بالإستعانة بالله . 


إلى أولئك النفر المرابطين على أبواب عسقلان ..  المجاهدين الظاهرين على الحق الذين لا يضرهم من خذلهم و لا من خالفهم .. الذين باعوا لله أرواحهم  شامخين صابرين محتسبين إلى  الذين أقبلوا عليه عابدين ساجدين  إلى أولئك الذين ينوبون عن الأمة كلها في مجابهة الطغيان إلى عشاق المنون إلى من يسهر و الناس من حوله ينامون إلى من قضوا السنوات في الانفاق ليحرروا النساء و الأطفال من السجون إلى فخر الأمة و سيفها المسلول  إلى حراس العقيدة على أبواب القدس  ذوي الفن الراقي .. فن الفداء 


لقد جرف طوفانكم كل الإهتمامات الصغيرة التي ملأت أيام العام و غسل القلوب التي غطاها تراب الدنيا ، لقد أيقظتم المارد و حررتم الأسرى في كل العالم ، أسرى الإستهلاك الأعمي الذي يصب لصالح إقتصاد الكيان الصهيوني ، حتى أدركنا في هذه الأيام القاسية أننا ندفع الكثير من أموالنا إلى شركات تدعم الطغيان الصهيوني .. و كأنما غشيت أبصارنا حتى فاض طوفانكم و من غزة رفعتم عن أعيننا الغشاوة لنبصر و نتثبت أين تصب أموالنا ؟ و لصالح من ؟ 


لقد حررتم بصمودكم و جهادكم و رباطكم  أسرى فكرة السلام الزائف ، أسرى انتظار بادرة إنسانية من أسوء البشر أخلاقًا في الحروب على مر التاريخ و ليس اليوم فقط . 


 إن قومًا حملوا في قلوبهم ( لا تكلف إلا نفسك ) و صنعوا بقوة الله و عونه ما لا يصدقه البشر من قوة عسكرية في ظروف حصار شديد على غزة إنهم والله لهم المنصورون .. و ما لون النصر و ما طعمه إن لم يكن هذا هو النصر .

إننا في مكاننا الذي نحن فيه نغبطكم على اختيار الله لكم ، و نرجو من الله أن نكون لكم سندًا و ظهرًا و دعما نشارككم أجر الرباط و أجر الجهاد ، و إننا والله بين شعور بالذنب و التقصير و شعور بالعجز و الألم و القهر نقف صامدين مستبشرين منتشين بنصركم الذي هز الكرة الأرضية كلها و لعله هو الذي وصل إلى القمر لا غيركم . 

لقد تساقطت كل الرموز و التف العالم يرقب أخبار الدحدوح و عبود و تحليلات الدويري و ينتظر أبوعبيدة أمام الشاشات كما لم ينتظر أي زعيم عربي أو غير عربي .


و إن كان لكل ولادة مخاض فلعله -والله أعلم- هذا هو بعينه مخاض الفتح الذي سيعيد الأمة إلى مجدها و يرتب أولوياتها و يضع كل شيء في حجمه الطبيعي و مكانه الصحيح  . 


و بينما نقلب صفحة عام اختزل كله في يوم ٧ أكتوبر و نفتح صفحة عام جديد فإن التخطيط اليوم أهم و أولى من كل السنوات الماضية ، فالله عز و جل يقول في محكم التنزيل (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)} [الحشر]  


و يقول السعدي في تفسيره لهذه الآيات : 

(… و هذه الآية أصلٌ في محاسبة العبد لنفسه و أنه ينبغي له أن يتفقدها فإن رأى زللا تداركه بالإقلاع عنه و التوبة النصوح و الإعراض عن الأسباب الموصلة إليه و إن رأى نفسه مقصرا في أمرٍ من أوامر الله بذل جهده و استعان بربه في تكميله و تتميمه .. )  

و إن كانت البدايات  السنوية الأولى و الأجدي هي بداية السنه الهجرية أو رمضان  فإنه لا مانع من أن يكون كل يوم من أيام السنه هو يوم محاسبة و بداية جديدة بما فيها بداية السنة الميلادية .. 

إن النظر في أمر المستقبل .. ( و لتنظر نفسٌ ما قدمت لغد ) هو أمرٌ من الله محصور بين أمرين بتقوى الله ، فلا يحق لك أن تترك نفسك سبهللا لا في أمرٍ من الدنيا و لا في أمرٍ من الآخرة ، و إن حياة الإنسان اليوم في هذا الزمن المتسارع  تتفلت من يديه أسرع مما يظن ، و وقتك أعظم ما عُنيت بحفظه.


 و تتعاظم المسئولية اليوم بالذات على كل ذي دين و عقل و رأي ليحسن العمل و ينصر إخوانه المسلمين  و نصرهم لا يبدأ إلا من تغييره لنفسه . 


إن الألم الذي يعتصرنا لن يصدنا عن حسن تدبير أمورنا لمستقبل أفضل نكون فيه ممن استعملهم الله في طاعته و اختارهم لنصرة دينه ، فانظر - عافاك الله من أن تنساه أو تنسى نفسك - انظر إلى مكانك في معترك الحياة اليوم و إلى ما ترتضيه لنفسك و أقبل على نفسك و استكمل فضائلها فإن المهمة عظيمة و لم تخلق عبثا ، قم و ارفع رأسك إلى الأعلى .. ول وجهك تجاه أرض المحشر و لا تعد عيناك عن  أولئك القوم الجبارين الذي أيقظوا العالم و زلزلوا عروش الطغيان   ..  اللهم مُنزل الكتاب و مجري السحاب و هازم الأحزاب اهزم الصهاينه و أذنابهم و من والاهم وانصر اللهم المجاهدين المرابطين الصابرين و اجعلنا لهم عونا و سندًا و ارزقنا برحمتك عملاً تحبه و ترضاه و استعملنا في طاعتك و ارزقنا حسن عبادتك .. و إن الحياة لجهاد نصرٌ أو استشهاد .