الأحد، 26 أبريل 2020

لماذا انقلبت الحياة ؟


April 26, 2020





استيقظ الناس على خيالٍ غزا الواقع .. فيلم خيالي .. رواية .. حلم في المنام أي شيء غير أن يكون ما حدث واقعا متوقعا مسبقا ، اضطرب الناس في التعامل مع الواقع الجديد واقع لم يعهدوه و لم يشبهه أي شيء مما عهدوه من ظروف أو أوضاع سابقة، حياتهم انقلبت رأسا على عقب لا روتينهم اليومي بقى منه شيء و لا خططهم قابله للتحقيق في ظل هذه الظروف فهي بحاجة إلى تغييرات كبيرة للتعامل مع الوضع الجديد .

 أسئلة كثيرة أُثيرت و لازالت تثار ، هل يكون ما حدث مؤامرة أم انها محض صدفة هل هي حرب بيولوجية و تطرف البعض في تصوراتهم .. هل هي نهاية العالم ؟ كيف ستنسحب هذه الأزمة على جوانب الحياة الاخرى السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و حتى التعليمية مع توجه العالم كله الى التعليم عن بعد .. كيف ستؤثر هذه الأزمة علي و على علاقاتي و على مجال عملي .. الحياة بعد فايروس كوفيد ١٩ لن تكون أبدا كالحياة قبلها . 

لكن في الحقيقة لا أسمع من يطرح السؤال الأهم .. ماهو مراد الله سبحانه و تعالى من هذا الابتلاء ؟ ماهي السنة الكونية الإلهية التي حركت هذا التغيير الحاصل اليوم في العالم ؟ هل هو عقاب؟ هل هو ابتلاء ؟ هل هو خير نحسبه شر ؟ هل هو عذاب بما كسبت أيدينا ؟ و لم لا يكون عذاب و قد اعتصرت قلوبنا ألما و نحن نرى العالم بمؤسساته العملاقة تدعم الشذوذ و تحريف فطرة الله التي فطر الناس عليها ، قبل ان يصحو العالم على هذا الواقع كنت قد شاهدت فيديو انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي  لأحد المحلات التجارية المتخصصة في مواد التجميل في أحد البلدان العربية ،  تبيع منتج جديد تم إطلاقه حديثا ، أحمر شفاه للرجال ! و ما الذي سيبقى من الرجولة ؟  و الغريب أن الموظفه ترد على المتحدث الذي سألها لم تُباع مثل هذه المنتجات لشبابنا في دولنا العربية المسلمة فقالت بكل افتخار أن المنتج نفذ منذ الأيام الأولى ! 

إنهم أبناءنا يا سادة .. شبابنا  المسلم الذي علقنا عليه الآمال هم من يشتري أحمر الشفاه و بقدر الألم الذي أشعر به و أنا أطبع هذه الكلمات لأخبركم بما تعرفون مسبقا ،  لأخبركم أن محلاتنا التجارية منذ مدة ..تدعم تحريف الفطرة  و تدعم الشذوذ ، و أن بيوتنا تعرض فيها يوميا مسلسلات و أفلام تروج للشذوذ ،  و أن القانون بجلال قدره في دول كثيرة في العالم يسند الشذوذ و ان الاعلام العالمي يسعى إلى تغيير نظرتكم للموضوع باستبدال لفظة (شاذ) ب لفظة (مثلي ) فاستبدال الشذوذ بالمثلية ألطف و أدعى لأن تُخدعوا و تتقبلوا من باب الحرية الشخصية بأن يقوم البعض بقلب المفاهيم رأسا على عقب و قلب الفطرة و هدم الأسرة و طمس قيم أصيلة في دينكم يا سادة ،  إن الله عز وجل هو الذي جعل عاليها سافلها على رأس قوم لوط بما كسبت أيديهم فهل تستغربون العذاب عندما نقبل بالسكوت عن فعل شنيع مثل تحريف الفطرة و نشر الشذوذ بين أبناءنا و نحن بكل بساطة نبرر أننا لا نملك من الأمر شيء و أنها حبكة عالمية و أنها قوة أكبر منا ، أكبر من أن نصدح بقيمنا ، أكبر من أن يُسمح لنا أن نجرّم الجريمة الأخلاقية ، أكبر من أن نمنع انفسنا من اقتناء منتجات تروج للشذوذ بحجة انني لا اقصد انا فقط أحب الألوان و لا أدعمهم بشيء و لا شأن لي بهم!  

 فكيف ترفع يديك في كل صلاة تعلن أن الله أكبر قل لي بربك بماذا تفكر و أنت تكررها (الله أكبر) بماذا تفكر، و أنت تسمع المآذن تصدح كل يوم (الله أكبر) بماذا تفكر ؟ الله أكبر منهم ، الله أكبر من كل قواهم العالمية و أنت دورك مهما صغر لكنه مهم، مهم لتخلص نفسك من عذاب الله ، لتبريء نفسك أمام الله..  أنت من يحتاج إلى محاربة الشذوذ حتى و إن كنت مجرد قلم ، مجرد فرد في عائلة ينقل وجهة نظره للبقية في لقاء عائلي،  مجرد ولي أمر مسئول عن رعيته.. لا يطالبك الله بأن تغير العالم لكنك مسئول عن مراقبة كيف يتغير تفكيرك ببطء ، فالفعل الذي كنت تشمئز منه و تعبر عن هذا الاشمئزاز بجرأة  بدأ يصبح (لا شأن لي بهم) فقط .

إنها الفكرة التي تجلجل في رأسي منذ بدأت أحداث فيروس كرونا تتصاعد ، بالرغم من كل اللطف الإلهي الخفي في هذا البلاء إلا أن ما أصابنا بالتأكيد هو بما كسبت أيدينا .. و العفو من الله هو غايتنا و مرادنا اليوم و كل يوم ، نسأله تعالى في هذا الشهر الفضيل العفو و العافية و المعافاة الدائمة في الدنيا و الآخرة في ديننا و دنيانا و أن يغفر لنا تقصيرنا في مواجهة هذا الموج الهادر من الترويج للشذوذ و المثلية تلك المؤسسات العالمية التي تريد تشويه فطرتكم و دينكم يا سادة يجب أن تسمع منكم كلمة مجلجلة لا كلمة استحياء و تبرير ضعيف .
إن العفو من الله في اعتقادي سيكون متوقف على انتصاركم لقيمكم و دينكم و فطرتكم سيكون بحجم وعيكم الذي سيجعلكم ترفضون حتى مجرد استبدال كلمة (شذوذ) بكلمة (مثلية) فالله سبحانه و تعالى أرشد المسلمين في سورة البقرة فقال : (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا و قولوا انظرنا و اسمعوا و للكافرين عذاب أليم) فكلمة راعنا التي كان يستخدمها المسلمون و أصلها (الرعاية) بحسن نية .. راوغ اليهود في مجتمع المدينة و استخدموها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقصدون راعنا من (الرعونه) فوجه الله سبحانه المسلمين لاستبدال المصطلح و استخدام (انظرنا) بمعنى : انظر إلينا و أقبل علينا نفهم منك و نفقه. 

 فلا دخل للنية الصالحة في الموضوع فقد أمر الله بالحذر من مدلولات الألفاظ فلفظة واحد قد تحمل اكثر من معنى ، و العالم اليوم متخم بالمصطلحات و الألفاظ المُراوغة ، مصطلحات ملغّمة تحمل أوجهًا متعددة ، فالمسلم لم يكن يقصد الرعونه عندما كان يقول  لرسوله الكريم (راعنا) لكن بالرغم من ذلك أمر الله المسلمين باستبدال اللفظة .. إنها في عالمنا اليوم صنعةٌ متكاملة لتوجيه العقول في اتجاهات متعددة و بكل سذاجة نتشرب منتجاتهم من المصطلحات  و نتداولها فتتغير المفاهيم و المدلولات فيما بعد بسهولة و يسر لأن الكلمة أو اللفظة هي لبنة من لبنات الفكر و صنعة المصطلحات تغير فكركم يا سادة عن طريق ترويج  مصطلحات جديدة تتوافق مع ما تشتيه  تلك المؤسسات من مدلولات و أفكار و الواجب ايقافها من عند هذه الخطوة الأولية في تغيير الفكر و القيم و المعتقدات . 

لعل تلك المؤسسات التي تدعم الشذوذ هي اليوم في أضعف حالاتها بعد هذا الوباء الذي اجتاح البشرية ، وربما تكون انت اليوم في أقوى حالاتك لأن لسان حالك يردد (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) و إن إيمانك يقتضى أن تكون لك وقفة صادقة في وجه هذا الترويج الشرس لتحريف الفطرة و هدم كيان الأسرة و نقض قيم دينك و مجتمعك ، و أنت اليوم في أفضل الأزمان فاعقد النية على عدم التساهل في هذا الموضوع لأنه من أخطر ما يستوجب عقاب الله تبارك و تعالى فانج بدينك من خلال انكارك العلني .. فأنت بالله أقوى وحتما الله أكبر من كل مواردهم المسخرة في هذه الحرب ، حرب المفاهيم و القيم  و المعتقدات و إن كنت أعلم أن هناك أسباب كثيرة ربما تستوجب عذاب الله لكن هذا الأمر في نظري هو الأشنع و أن موقفنا في محاربته لم يكن كافيا و المحاولات الفردية المتناثرة تحتاج الى تنسيق و عمل منظم لصد هذه الموجة الهادرة فهل من حاملٍ لهذه  الراية ؟ 
و دمتم في حفظ الله و رعايته. 

م. منال الفيلكاوي