السبت، 9 يناير 2016

سورة يوسف


قال عطاء بن ابي رباح :

 سورة يوسف ما قرأها محزون الا استراح . 


جاءها يكلل محياه ألم و خيبة ، كل هذا البكاء الذي بكاه في غرفته عندما أغلق على نفسه الباب ما كان حقا لسبب مهم يستحق البكاء  - من وجهة نظرها طبعا - فهي أمه و ترى انها يجب أن تخبره متى يبكي و متى لا يبكي، دعونا نفكر بالمنطق قليلا .. هل يجد الوالدين اسبابا منطقية لبكاء الابناء عادةً ؟ ام ان اغلب حزنهم و بكائهم مرفوض و غير مبرر بل غير مسموح به احيانا؟ 

نتسلط و نسفه أسبابهم و نظن انهم يبكون على اشياء غير مهمة و يغضبون لأسباب غير منطقية و يتمسكون بعمل التوافه احيانا و يتكلمون بطرق غريبة نريدهم راشدين يتصرفون تماما مثل الكبار ، و الأجدر  بنا أن نساعدهم على التعامل مع مشاعرهم و انفعالاتهم ايا كانت اسبابها . 

أكاد اضغط على زر ايقاف الصورة حتى لا تتفوه امه بما تنوي قوله لولدها ، أكاد اضع يدي على فمها ، اسمحي له ان يبكي و يحزن لا ترفضي تعبيره عن حزنه بالبكاء . امسحي على رأسه و أخبريه بما سألقنك إياه . 

“ نعم .. انت حزين و بكيت كثيرا و انا حزينة ايضا لأنك متضايق .. لكن قبل أن تطلب مني تغيير واقع قد لا أستطيع تغييره لأسباب كثيرة ، دعني أخبرك شيئا مهما .. تفعله عندما تكون حزينًا ، فالحزن يا ولدي شعور طبيعي يمر به الكثير من الناس في حياتهم لأسباب يرونها تستحق الحزن .. مشكلة الحزن انه يعطل استمتاعنا بالحياة و قد يعطل مثابرتنا لتحقيق اهدافنا ، مشكلة الحزن يا ولدي أنه يمتص الألوان من لوحة يومنا فيجعلها بالابيض و الأسود ، الحزن ياولدي من المشاعر التي يجب ان نتعامل معها بحكمة و بسرعة ،، حتى لا تمتص اوقاتنا و زهرة شبابنا . 

ستجد أن الخروج من دائرة الحزن الى السعادة أسهل مما تتوقع و اقترح بعض الباحثين أن تغير مكانك ، او أن  تمارس نشاطا جديدا و مختلفا بعض الشيء ، تمشي حافيا على الرمل أو تملأ رئتيك بهواء الشاطيء ، لكن أعجب ما سمعت و أروع ما مر علي في معالجة الحزن كلام ابن تيمية حين قال : ما يصنع أعدائي بي ، أنا جنتي و بستاني في صدري اينما ذهبت فهي معي، إن سجني خلوة و قتلي شهادة و نفيي سياحة. 

و كم تعجبت من هذه الجنة .. بم بذر بستان جنته تلك؟ و كيف ارتفعت اشجارها الباسقة لتظلل قلبه و تحميه من حرارة المواقف و حزنها و ألمها ، فعرفت أنها علاقته مع الله و مع كلام الله و مع معجزة الله الخالدة .. القرآن . 

أتدري يا ولدي .. أن في القرآن سورة ما قرأها محزونٌ الا و استراح .. أتدري ما هي ؟ انها سورة يوسف “ 

ضمته الى صدرها و مسحت  على ألمه بكلماتها فساقه الفضول الى الرجوع الى غرفته، و البحث عن هاتفه النقال .. كتب في خانة البحث ( سورة يوسف ) فظهرت له تسجيلات كثيرة للسورة ، ظل يتنقل بين الاختيارات المتنوعة حتى استوقفه صوت عذب استلقى على سريره ، يسمعها بقلبه ، ومن ذلك اليوم تعلق قلبه بسورة يوسف .. أما هي فظلت ترجو أن يكون هذا الابن ممن شملهم حديث الرسول عليه الصلاة و السلام في سبعةٍ يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله حين ذكر السبعة و ذكر منهم ( … و شابٌّ نشأ في طاعة الله .. ) 

دمتم بود  

م. منال الفيلكاوي 

٩ يناير ٢٠١٦