الخميس، 5 مايو 2016

صناعة الموهبة



تبهرنا الموهبة الفذة وقد نظن انها هبةٌ تنزل من السماء ، دون بذل او سعي ،أو أنها جينات وراثية لا نملك الا الحسرة و الأسف على عدم توافرها لدينا ، بدأ الناس مؤخرا يعتقدون بأهمية التدريب و دوره في صقل موهبة لها أساس فطري في الموهوب وهذا سليم تماما . لكن ماذا عن الاشخاص الذين لا يملكون اساس فطري للموهبة؟

ما وصل اليه علم الأعصاب اليوم  يخبرك انك ممكن ان تكون موهوبا في اي مجال تحبه, اي مجال !

كيف؟!
افضل وسيلة تساعد دماغك فيها هي أن تعرف كيف يعمل ثم تقوم بما يعزز كفاءته ، سأخبركم اليوم من خلال الاسطر القليلة القادمة كيف يمكن ان تصنع موهبتك.

منذ مدة كان علم الاعصاب يخبرنا ان زيادة الوصلات العصبية بين الخلايا العصبية هو المسئول عن عملية التعلم و هذا كلام صحيح ،  إلا أن اكتشاف آخر مذهل اضيف الى علم الاعصاب ، بخصوص مادة يفرزها الدماغ تسمى (المايلين) .

يقول استاذ علم الاعصاب في جامعة كاليفورنيا جورج بارتزوكس : المايلين هو مفتاح التحدث و القراءة ومهارات التعلم و أن تكون انسانًا.

ماهو المايلين : هو مادة تسمى ايضا (المادة البيضاء ) عازلة تغلف الخلايا العصبية و الألياف العصبية.

 في علم الاعصاب ٣ حقائق غاية في الأهمية:

١- كل حركة أو فكرة أو شعور هي عبارة عن اشارة عصبية محددة التوقيت تسافر عبر سلسلة من الخلايا العصبية في دائرة من الألياف العصبية.

٢- المايلين عازل يلف هذه الألياف العصبية و يزيد من قوة الاشارة العصبية و سرعتها و دقتها.

٣- كلما اشعلنا دائرة محددة من الألياف العصبية حسّن المايلين بالتفافه على الالياف العصبية تلك الدائرة و صارت حركاتنا و افكارنا اكثر سلاسة .

فلو بدأنا بتعلم شيء جديد (اشعلنا دائرة جديدة) سيبدأ المايلين يفرز و يلتف على الليف العصبي و كلما اعدنا اشعالها يزداد المايلين و يعزل الالياف العصبية اكثر و زيادة المايلين تساوي بالضبط زيادة الموهبة و الذكاء .

المهم في الموضوع ان علماء الاعصاب يخبروننا ان المايلين يفرز بشكل اكبر عندما نقع في الأخطاء و نعدّل اخطاءنا و نقوّمها حتى نقوم  بالعمل بشكل صحيح.


إذا .. الأخطاء جيدة عندما نثابر من اجل تقويمها . . تقويم الأخطاء هو الذي يحفز الدماغ لافراز المايلين .


هل تعلم ما هو السر في نبوغ لاعبي الكرة في البرازيل؟

هل سمعت يوما عن الكرة الخماسية؟
تم ابتكار الكرة الخماسية في البرازيل سنة ١٩٣٠ كبديل للتدريب في يوم ممطر ، فكرتها ان يتم لعب كرة القدم في غرف مغلقة يستخدم اللاعبون فيها كرة بنصف حجم كرة القدم العادية و أثقل مرتين ، عدد اللاعبين في الكرة الخماسية  نصف عدد اللاعبين في كرة القدم العادية خمسة او ستة لاعبين فقط.
ماهو السر في هذه الكرة الخماسية  ؟
اللاعب في كرة القدم الخماسية يلمس الكرة اكثر بكثير من لاعب الكرة العادية ف المكان اضيق و عدد اللاعبين اقل و لأن الكرة اثقل و اصغر في الحجم فهي تمنح اللاعب مهارة أدق من المهارة التي يكتسبها من التدريب على لعب كرة القدم العادية..

الفرق .. ان اللاعب البرازيلي يتدرب بشكل اعمق و اكثر من غيره ، فرصة ارتكابه للخطأ عندما تكون الكرة اصغر و اثقل اكبر من فرصة ارتكابه للخطأ عندما يلعب بالكرة العادية، فهو إن تفوق بالكرة الخماسية فبالتأكيد .. سيتفوق بكرة القدم العادية.

الآن تخيل معي طفل يكتب بطريقة خاطئة .. و مربي (ام او اب  او معلم) يلومه على الخطأ و يؤنبه عليه.. ماذا لو ان هذا الطفل قرر انه لن يجرب مرة اخرى لأنه اعتقد انه لا يعرف و عندما لا يعرف فهو انسان سيء يستحق التأنيب .. هنا بالضبط سيتوقف دماغه عن افراز المايلين ، ليست الاخطاء هو ما يجب ان يقلقنا .. بل يجب أن نقلق عندما تخفت روح المثابرة و اعادة المحاولة لتصحيح الخطأ عند الطفل ، اكبر دور يمكن ان يقوم به اي معلم او ولي امر .. أن يتقبل الأخطاء و يحفّز المثابرة و اعادة المحاولة هذا هو ما سيجعل دماغ الانسان يفرز المايلين .

صادفت اطفال اذكياء .. كبتت محاولاتهم نظرة ام غاضبة من ارتكاب الطفل  لخطأ لأنه حاول ان يقوم بعمل لا يتقنه، هذه جريمة نرتكبها بوعي أو بدون وعي في حق اطفالنا .. نحن نكبت مواهبهم بدلا من توفير بيئة مناسبة ليرتكبوا فيها الأخطاء و يحاولوا تقويمها ، سيصل طفلك للموهبة بهمة الطفل المتحفز للانجاز بفطرته الا حين نكبتها بردود افعالنا.

ان تطور علم الاعصاب يلقى على التربويين مسئولية اعادة النظر في الاساليب التربوية المتبعة .. هل تعليمنا يساهم في بناء الموهبة ؟ أو يكبتها؟

الخلاصة :

كيف نصنع الموهبة ؟

حاول اتقان ما لا تعرفه .. ارتكب الأخطاء و ثابر لتحسين الأداء و عندما يصبح أداؤك  بدون اخطاء ابحث عن مستوى اعلى ، لترتكب فيه الأخطاء من جديد و تثابر للوصول الى الأداء المتقن فتتلافى فيها أخطاؤك السابقة بعد التدريب المكثف العميق.

م. منال الفيلكاوي
eng.manal.77@gmail.com