السبت، 19 أكتوبر 2019

الخيال أقوى من المعرفة



  
      أثبت الكثير من المبدعين و العباقرة في العالم  أن أعظم الإنجازات لا يمكنها أن تتحقق بدون خيال خصب فهو الأداة لتوظيف المعرفة ، فعندما تتكلم عن القائد فأنت تدرك أنه لن يكون قائدًا جيدًا إن لم يمتلك رؤية للقيادة ، و ما الرؤية إلا صورة ذهنية يراها القائد للمستقبل الذي ينشده  وإن كان جيدًا بما يكفي فهو يستطيع أن يرى المستقبل ذهنيا بوضوح و يرى الطريق الموصل إلى هذا المستقبل ، فالرؤية لن يمتلكها إلا شخص يمتلك قدرا كافيا من الخيال لتصور مستقبل لم يره بعينه المجردة .

و إن جئت إلى الفن الشعر و الأدب مثلا، فقل لي بربك متى تستلذ النص الأدبي أو الشعر العربي الفصيح؟  كيف بك حين يرسم الأديب أو الشاعر في خيالك لوحة متكاملة و كأنك تعيشها يصفها لك للدرجة التي تجعلك تظن أنها هنا حولك و أنت جزء منها ، قوة الخيال ميزت الكثير من الشعراء و امتلكوا به الآلة التي تجعل الشاعر أو الأديب منهم قادر على أن ينقل إليك صورة ذهنية واضحة و دقيقة ، يعبر عنها بمفردات جزلة، إن الجمع بين قوة الخيال و جزالة اللغة و بلاغتها سر تميز الأديب أو الشاعر .

و الخيال في العلوم التجريبية ضرورة لابد منها فكيف ستشرح للمتعلم مثلا  فعل التيار الكهربائي و فرق الجهد في دائرة كهربائية أو المجال المغناطيسي و أنت لا تملك القدرة الذهنية على تصورها.. بل كيف سيخترع المبدع جهازًا أو أداةً لم يتخيلها و يتخيل تفاصيلها أولا  ثم يوظف المعرفة ثانيًا لابتكارها و تطويرها ، إن الخيال الخصب عامل مشترك في الإبداعات البشرية في شتى المجالات .

و الخيال آلة الطفل التي يسلبها منه بعض الكبار عندما يفرضون عليه نمطًا من التفكير لا يحيد عنه ، فإن حاد عوقب بالرسوب في صفه الدراسي، و سيظل في ذات الصف كل عام حتى يتقن سرد المحفوظ أو إعادة طباعة المكتوب في كتابه المدرسي ،   انتاج نسخ متشابهه من البشر هو بالضبط ما تقوم به المدرسة ، و تبقى آمالنا معلقة في اليوم الذي نرى فيه المدرسة تنمي هذا الخيال و تستثمره لصالح العملية التعليمية فهي أولى بذلك من دور السينما و صنّاع الألعاب الإلكترونية فقد أدركوا  أن الخيال  متعة الصغير و الكبير . 

     بالتأكيد سمعت عن قصة سراقة بن مالك ، وهو أحد أشراف قبيلة كنانة ، قصته تثبت أن الخيال ممكن أن يصبح تسلية للمهموم و المستضعف أيضا .. فانظر الى محمد صلى الله عليه وسلم حين طاردته قريش انظر إليه و هو يعد سراقة بسواري كسرى !  يرسم له الصورة الذهنية فيقول : ( كيف بك إذا لبست سواري كسرى ومِنطقته و تاجه؟ فقال سراقة : كسرى بن هرمز؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نعم ) 
ثم انصرف سراقة مصدّقًا الوعد من الصادق الأمين ، وسراقة يومئذ  لم يؤمن بنبوته بعد! 
    انصرف  وهو يتخيل نفسه لابسًا سواري كسرى ، فلما فتح سعد بن أبي وقاص المدائن في خلافة عمر بن الخطاب أرسل سواري كسرى و تاجه ضمن الغنائم فتحقق لسراقة وعد النبي صلى الله عليه وسلم له حيث ألبسه عمر سواري كسرى . 
    فإن كنت سترعى طفلا ، فاسرد له قصصا و العب معه لعبة الأدوار ليكون طبيا مره أو معلما أو أسدا أو أي كائن في خياله ، حفّز ذهنه أكثر بممارسة التخيل كل يوم ، اعطه ورقة و أقلامًا ملونه ليرسم خياله على الورق ، فأنت هنا تقدم له خدمة عظيمة عندما ترعى خياله و تنميه. 
   الكثير من التمارين و الألعاب الذهنية تساعد في تنمية خيالك أنت ، تمرين واحد صغير كل يوم سيكون له أثر على المدى البعيد بالتأكيد ، ستقدم لنفسك الكثير عندما ترعى خيالك و تطور قدراتك الذهنية فبحسب كلام ألبرت أينشتاين : ” الخيال أهم من المعرفة 
و دمتم في رعاية الله .

ليست هناك تعليقات: